هنا، من الأرض التي أصبحت تتقسم إلى فئات وطبقات، من يستحقون الحياة -حسب نظرهم- ومن لا يستحقون إلا الشقاء والعذاب -حيث أنهم مرغمين على ذلك-، أَشعِل لفافة تبغك يا صديقي وتجول في هذه المقبرة الكبيرة، احذر من الشواهد التي أكل الزمان عليها وأصبحت معالمها أشبه بمدينة انتفض أهلها وقُتلوا عن بكرة أبيهم، هذه الأرض نفسها التي أنزل الله فيها آدم لكن مع بعض التحسينات البشرية، ألا تراها قبيحة كنوايا عُباد الشهوة والمهرولين وراء المنفعة المؤقتة.
اِبحث عن قبر أي طاغي، اِقرأ تراتيل لعنات الضعفاء على مر السنين، ابتعد قليلاًَ عنه فحرارة جهنم محسوسة من قبره، في كل خطوة تبتعد منه تذكر الرجال المشنوقين في بلاطه والأطفال المقتولين على صدور وامهاتهم واستمر بلعنه.
تَجول في مزارع الزيتون التي حرقوها التجار لخلاف اقتصادي بينهم، امسح الغُبار من وجه الفلاح الصغير وأخبره أن الجنة تشتاق لأجسادهم المُتعبة وجهنم متلهفة لشوي أجساد من أرغموهم على العمل وأبعدوهم عن المدارس، إبتسم بوجوههم.
اِمضي على مضض بين العواصم الفارهة والشوارع المضيئة التي تسكنها مجاميع من الأجساد النظيفة والقلوب المتسخة، لماذا مُتسخة؟ لأنها تُدير ظهرها لسكك فقيره تقع في خلفها، تُدير ظهرها لشوارع ترابية لطخت ساكنيها بالتُراب لكنها لم تستطع أن تصبغ قلوب أصحابها البيضاء، هناك .. خلف الشوارع المضيئة بيوت فقيرة لكنها تَشِع بساكنيها، إنها الحقيقة الباقية رغم جهود إعلام القلوب المتسخة لطمسها.
–
أشعِل لفافة تبغك، واضحك على بني آدم.